منذ طفولتنا نسمع الكثير من التحذيرات من الأهل عن عدم الثقة في الآخرين، فتكبر هذه الصورة وتصبح منهج حياة وطريقة تعامل، ليس معنى كلامي أن تعطي الثقة للآخرين دون سبب وبلا مبرر؛ فالبعض قد يخون تلك الثقة، وأقصد البعض وليس الجميع.

إن سوء الظن قد يجعلنا نخسر الكثير في تعاملاتنا اليومية والعكس صحيح ربما بعض الثقة قد تفيد في تحقيقنا للنجاح، المذيعة العالمية الأمريكية أوبرا وينفري صاحبة أعلى أجر في التلفزيون استطاعت أن تغير حياتها، كانت تقول عن نفسها إنها لم تستطع النطق بحرف بشكلٍ صحيح ولم تكن جميلة، ولكن رغم تعثرها مادياً أسست دائرة كبيرة من الأصدقاء بسبب مصداقيتها وعملها كصحافية استطاعت أن تحقق أعظم إنجازاتها كمحاورة وكتبت كتاباً بعنوان (كيف تتحدث مع أي شخص عن أي شيء).

يفوت الناس العديد من الفرص للارتباط بالناس وبناء علاقات والسبب سوء الظن بالناس في تعاملاتنا والكثير من المشكلات والعقبات التي ستعترضنا سواء في مقار العمل أم حتى في الشارع.

الثقة في الآخرين تعني أنك عندما تواجه أوقاتاً عصيبة سوف تكتشف من هم أصدقاؤك الحقيقيون، سوف يظلون معك في أوقات الشدة، كما في القول المأثور: «في الرخاء يعرفنا أصدقاؤنا وفي الشدة نعرف أصدقاؤنا»، إن وجود أصدقاء يقفون إلى جانبك يمثل عوناً هائلاً في السراء والضراء وسوف يدعم معنوياتك، دعونا نفكر في دائرة المعارف من حولنا، فكر معي في أخ، صديق، معلم، وربما شخص له تأثير كبير عليك وله أثر عظيم، كل ما تفعله هو أن توجه له الشكر على وجوده معك وصفاء قلبه وصدقه، لنمنح الآخرين الثقة والمسؤولية ولنشعرهم بثقتنا وتقديرنا لهم.

أن أي شيء في الحياة يحتاج لوقت لبنائه وكذلك العلاقات تتطلب وقتاً لتطويرها والانسجام بين أفرادها.. قال أرسطو «أعظم الفضائل هي تلك الأكثر نفعاً للآخرين»، فلا بد أن تكون لديك مهارة الصبر وطريقة في التعامل مع الآخرين، فعندما تقرر تنمية علاقة مع شخص آخر، تذكر دائماً أنها صفقة شاملة لا يمكن أن تحصل على الأشياء الطيبة فقط وتترك السيئة، كل شخص لديه مشكلات ومنعطفات عمياء وعادات سيئة، حاول أن تمنح الآخرين نوع القبول نفسه الذي تتلقاه على نقائصك وعيوبك، فأحياناً قد يصبر الآخرون عليك في مناطق عدة وأنت لا تشعر، فلماذا لا تصبح مرناً، فاعلاً، استمع لأفكارهم واحترم مواقفهم ولا تحط من شأنهم أو قدرهم أو مكانتهم، امنح هؤلاء الذين يحبونك الاحترام والحب والتقدير، إن التحلي بهذه الصفات سوف يعود عليك بالكثير من العوائد في علاقاتك مع الآخرين، إن حفاظك الدائم على ممارسة معاملة الآخرين بأفضل طريقة يمكن معاملتهم بها يؤثر على الطريقة التي ترى فيها العالم.. يقول الرئيس إبراهام لينكولن: «عندما يحين أجلي، أريد أن يقول عني هؤلاء الذين يعرفونني جيداً إنني كنت دوماً أقتلع الأشواك وأزرع مكانها الأزهار في المواضع التي كنت أعتقد أن الأزهار يمكن أن تنمو فيها»، هذا ما يفعله مبدأ التعامل مع الآخرين، إنه يجعلك تتنازل عن الكثير في مقابل الوصول لما تريده وتحققه، إنه ليس طريقاً سهلاً، ولكنه حتماً سوف يساعدك على تحقيق النجاح والوصول إلى أعلى مستويات الحياة، والشيء الجميل بخصوص تلك العلاقات المشتركة أنه يمكن إقامتها في جميع مجالات الحياة والعلاقات بين الأزواج والزوجات والآباء والأبناء الأصدقاء والجيران والرؤساء والمرؤوسين وغيرهم، يمكن لتلك العلاقات أن تصبح شيئاً مميزاً بحيث يمكن الاستفادة من الآخرين بالنصح والإرشاد والأمان والعرفان بالجميل وغيرها، إن الاستثمار في الآخرين هو أكثر الأشياء التي نفعلها نبلاً وفائدة، فذلك يجعل العالم مكاناً أفضل. الروائي هيرمان ميلفيل يؤكد ذلك بقوله: «لا يمكننا أن نحيا فقط من أجل أنفسنا، فهناك آلاف الخيوط التي تربطنا بالبشر وعلى طول هذه الخيوط فإن أفعالنا تكون بمثابة أسباب ترتد عائدة إلينا كنتائج». نعم إن المستثمرين في الناس يشبهون المستثمرين في سوق المال، يعرفون كيف يستفيدون منه على المدى الطويل، لذلك يركزون وقتهم وجهدهم فيه، إن العلاقات الجيدة والصحيحة هي التي تعمل على تنمية موقفك وطيبة قلبك وكرمك تجاه الآخرين، ابدأ كل علاقة بمنح الشخص الآخر الاحترام، واستثمر في الآخرين وسوف يعود عليك استثمارك بالفوائد.